كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الفرع الثالث- ويجوز التوكيل بجعل وبدون جعل، والدليل على التوكيل بغير جعل أنه صلى الله عليه وسلم وكل أنيسًا في إقامة الحد على المرأة، وعروة البارقي في شراء الشاة من غير جعل. ومثال ذلك كثير في الأحاديث التي ذكرنا غيرها.
والدليل على التوكيل بجعل قوله تعالى: {والعاملين عَلَيْهَا} [التوبة: 60] فإنه توكيل على جباية الزكاة وتفريقهما بجعل منها كما ترى.
الفرع الرابع- إذا عزل الموكل وكيله في غيبته وتصرف الوكيل بعد العزل وقبل العلم به، أو مات موكله وتصرف بعد موته وقبل العلم به، فهل يمضي تصرفه نظرًا لاعتقاده، أو لا يمضي نظرًا للواقع في نفس الأمر. في ذلك خلاف معروف بين أهل العلم مبني على قاعدة أصولية، وهي:
هل يستقل الحكم بمطلق وروده وإن لم يبلغ المكلف. أو لا يكون ذلك إلا بعد بلوغه للمكلف، ويبنى على الخلاف في هذه القاعدة الاختلاف في خمس وأربعين صلاة التي نسخت من الخمسين بعد فرضها ليلة الإسراء، هل يسمى ذلك نسخًا في حق الأمة لوروده، أو لا يسمى نسخًا في حقهم.
لأنه وقع قبل بلوغ التكليف بالمنسوخ لهم. وإلى هذه المسألة أشار في مراقي السعود بقوله:
هل يستقل الحكم بالورود ** أو ببلوغه إلى الموجود

فالعزل بالموت أو العزل عرض ** كذا قضاء جاهل للمفترض

ومسائل الوكالة معروفه مفصلة في كتب فروع المذاهب الأربعة، ومقصودنا ذكر أدلة ثبوتها بالكتاب والسنة والإجماع، وذكر أمثلة من فروعها تنبيهًا بها على غيرها. لأنها باب كبير من أبواب الفقه.
المسألة الثانية:
-أخذ بعض علماء المالكية من هذه الآية جواز الشركة، لأنهم كانوا مشتركين في الورق التي أرسلوها ليشتري لهم طعام بها.
وقال ابن العربي المالكي: لا دليل في هذه الآية على الشركة، لاحتمال أن يكون كل واحد منهم أرسل معه نصيبه منفردًا ليشتري له به طعامه منفردًا. وهذا الذي ذكره ابن العربي متجه كما ترى. وقد دلت أدلة أخرى على جواز الشركة. وسنذكر إن شاء الله بهذه المناسبة أدلة ذلك، وبعض مسائله المحتاج إليها، وأقوال العلماء في جواز ذلك.
اعلم أولًا- أن الشركة جائزة في الجملة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
أما الكتاب فقد دلت على ذلك منه آيات في الجملة، كقوله تعالى: {فَإِن كانوا أَكْثَرَ مِن ذلك فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثلث} [النساء: 12]، وقوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الخلطاء ليبغيا بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} [ص: 24] عند من يقول: إن الخلطاء الشركاء، وقوله تعالى: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الآية، وهو تدل على الاشتراك من جهتين.
وأما السنة- فقد دلت على جواز الشركة أحاديث كثيرة سنذكر هنا إن شاء الله طرفًا منها. فمن ذلك ما أخرجه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتق شركًا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم، وإلا فقد عتق عليه ما عتق» وقد ثبت نحوه نحوه في الصحيح عن أبي هريرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وفيه التصريح منه صلى الله عليه وسلم بالاشتراك في الرقيق. وقد ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه لحديث ابن عمر وأبي هريرة المذكورين بقوله: باب الشركة في الرقيق، ومن ذلك، ما أخرجه الإمام أحمد والبخاري رحمهما الله عن أبي المنهال قال: «اشتريت أنا وشريك لي شيئًا يدًا بيد ونسيئه، فجاءنا البراء بن عازب فسألناه فقال: فعلت أنا وشريكي زيد بن أرقم وسألنا النَّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ما كان يدًا بيد فخذوه، وما كان نسيئة فذروه» وفيه إقرار صلى الله عليه وسلم البراء وزيدًا المذكورين على ذلك الاشتراك. وترجم البخاري رحمه الله لهذا الحديث في كتاب الشركة بقوله: باب الاشتراك في الذهب والفضة وما يكون فيه الصرف. ومن ذلك إعطاءه صلى الله عليه وسلم أرض خيبر لليهود ليعلموا فيها ويزرعوها، على أن لهم شطر ما يخرج من ذلك، وهو اشتراك البخري الخارجة منها، وقد ترجم البخاري رحمه الله لهذا الحديث في كتاب الشركة بقوله: باب مشاركة الذميين والمشركين في المزارعة. ومن ذلك ما أخرجه احمد والبخاري عن جابر رضي الله عنه: «أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة». وترجم البخاري لهذالحديث في كتاب الشركة بقوله: باب الشركة في الأرضين وغيرها. ثم ساق الحديث بسند آخر، وترجم له أيضًا بقوله: باب إذا قسم الشركاء الدور وغيرها، فليسلهم رجوع ولا شفعة. ومن ذلك ما رواه أبو داود عن أبي هريرة مرفوعًا قال: «إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما».
قال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى في نيل الأوطار في هذا الحديث: صححه الحاكم وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان. وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وأعله ايضًا الن القطان بالإرسال، فلم يذكر فيه أبا هريرة وقال إنه الصواب. ولم يسنده غير أبي همام محمد بن الزبرقان وسكت أبو داود والترمذي على هذا الحديث، وأخرج نحوه أبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب عن حكيم بن حزام. انتهى منه. ومن المعروف عن أبي داود رحمه الله- أنه لا يسكت الكلام في حديث إلا وهو يعتقد صلاحيته للاحتجاج. والسند الذي أخرجه به أبو داود الظاهر منه أنه صالح للاحتجاج، فإنه قال: حدثنا محمد بن سليمان المصيصي ثنا محمد بن الزبرقان عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن أبي هريرة رحمه الله رفعه قال: «إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين» إلى أخر لالحديث.
فالطبقة الأولى من هذا الإسناد هي محمد بن سليمان، وهو أبو جعفر العلاف الكوفي. ثم المصيصي لقبه لوين بالتصغير، وهو ثقة.
والطبقة الثانية منه محمد بن الزبرقان أو همام الأوازي، وو من رجال الصحيحين، وقال في التقريب: صدوق، ربما وهم.
والطبقة الثالثة منه- هي أبو حيان التيمي، وهو يحيى بن سعد بن حيان الكوفي، وهو ثقة.
والطبقة منه- هي أوه سعيد بن حيان المذكور الذي قدمنا في كلام الشوكاني: أن ابن القطان أعل هذا الحديث بأنه مجهول، ورد ذلك بأن ابن حبان قد ذكره في الثقات. وقال ابن حجر في التقريب: إنه وثقه العجلي أيضًا.
والطبقة الخامسة منه- أبو هريرة رفعه.
فهذا إسناد صالح كما ترى. وإعلال الحديث بأنه روي موقوفًا من جهة أخرى يقال فيه إن الرفع زيادة. وزيادة العدول مقبولة كما تقرر في الأصول وعلوم الحديث. ويؤيده كونه جاء من طريق أخرى عن حكيم بن حزام كما ذكرناه في كلان الشوكاني آنفًا.
ومن ذلك حديث السائب بن أبي السائب أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير شريك، لا تداريني ولا تماريني. أخرجه أبو داود وابن ماجه. ولفظه: كنت شريكي ونعم الشريك. كنت لا تداري ولا تماري. وأخرجه أيضًا النسائي والحاكم وصححه. وفيه إقرار النَّبي صلى الله عليه وسلم له على كونه كان شريكًا له. والأحاديث الدال على الشركة كثيرة جدًا.
وقد قال ابن حجر في فتح الباري في آخر كتاب الشركة ما نصه: اشتمل الشركة يعني من صحيح البخاري من الأحاديث المرفوعة على سبعة وعشرين حديثًا، المعلق منها واحد، والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة عشر حديثًا، والخالص أربعة عشر، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث النعمان «مثل القائم على حدود الله»، وحديثي عبد الله بن هشامن وحديثي عبد الله بن عمر، وحديث عبد الله بن الزبي في قصته، وحديث ابن عباس الأخير. وفيه من الآثار أثر واحد. والله أعلم انتهى كلام ابن حجر. وبهذا تعلم كثرة الأحاديث الدالة على الشركة في الجملة. وأما الإجماع فقد أجمع جميع علماء المسلمين على جواز أنواع من أنواع الشركات، وإنما الخلاف بينهم في بعض أنواعها.
اعلم أولًا- أن الشركة قسمانك شركة أملاك، وشركة عقود.
فشركة الأملاك- أن يملك عينًا اثنان أو أكثر بإرث، أو شراء، أو هبة ونحو ذلك. وهي المعروفة عند المالكية بالشركة الأعمية.
وشركة العقود- تنقسم إلى شركة مفاوضة، وشركة عنان، وشركة وجوه، وشركة أبدان، وشركة مضاربة. وقد تتداخل هذه الأنواه فيجتمع بعضها مع بعض.
أما شركة الأملاك فقد جاء القرآن الكريم بها في قوله تعالى: {فَإِن كانوا أَكْثَرَ مِن ذلك فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثلث} [النساء: 12] ولا خلاف فيها بين العلماء.
وأما أنواع شركة العقود فسنذكر إن شاء الله هنا معانيها، وكلام العلماء فيها، وأمثله للجائز منها تنبيهًا بها على غيرها، وما ورد من الأدلة في ذلك.
اعلم- أن شركة المفاوضة مستقة من التفويض. لأن كل واحد منهما يفوض أمر التصرف مال الشركة إلى الآخر. ومن هذا قوله تعالى عن مؤمن آل فرعون: {وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى الله إِنَّ الله} [غافر: 44] الآية.
وقيل: اصلها من المساواة. لايتواء الشريكين فيه في التصرف والضمان. وعلى هذا فهي من الفوضى بمعنى التساوي. ومنه قول الأفوه الأودي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ** ولا سراة إذ جهالهم سادوا

ذا تولى سرةا الناس أمرهم ** نما على ذاك أمر القوم وازدادوا

فقوله: لا يصلح الناس فوضى أي لا تصلح أمورهم في حال كونهم فوضى، أي متساوين لا أشراف لهم بأمرونهم وينهونهم. والقول الأول هو الصواب.
هذا هو اصلها في اللغة.
وأما شركة العنان- فقد اختلف في أصل اشتقاقهاللغوي. فقيل: أصلها من عن الأمر يعن- بالكسر والضم- عنا وعنونًا: إذا عرض. ومنه قوله امرىء القيس:
فعن لنا سرب كأن نعاجه ** عذارى دوار في ملاء مذيل

قال ابن منظور في اللسان: وشرك العنان وشرمة العنان: شركة في شيء خاص دون سائر أموالهما. كأنه عن لهما شيء فاشترياه واشتركا فيه. واستشهد لذل بقوله النابغة الجعدي:
فشاركنا قريشًا في تقاها ** وفي أحسابها شرك العنان

بما ولدت نساء بني هلال ** وما ولدت نساء بني أبان

وبهذا تعلم: أن شركة العنان معروفه في كلام العرب، وا، قوله ابن القاسم من أصحاب مالك: إنه لا يعرف شركة العنان عن مالك، وأنه لم ير أحدًا من أهل الحجاز يعرفها، وإنما يروى عن مالك والشافعي من أنهما لم يطلقا هذا الإسم على هذه الشركة، وأنهما قالا: هي كلمة تطرق بها أهل الكوفة ليمكنهم التمييز بين الشركة العامة والخاصة من غير أن يكون مستعملًا في كلام العرب. كل ذلك فيه نظر لما عرفت أن كان ثابتًا عنهم.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له.
اعلم- أن مراد النابغة في بيتيه المذكورين:
بما ولدت نساء بني هلال

ابن عامر بن صعصعة، أن منهم لبابة الكبرى، ولبابة الصغرى، وهما أختان، ابنتا الحارث بن حزن بن بجير بن الهزك بن روبية بن عبد الله بن هلال، وهما أختا ميمونه بنت الحارث زوج للنَّبي صلى الله عليه وسلم.
أما لبابة الكبرى- فهي زوج العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وهي أم أبنائه: عبد الله، وعبيد الله، والفضل وبه كانت تكنى، وفيها يقول الراجز:
ما ولدت نجيبة من فحل ** كستة من بطن أم الفضل

وأما لبابة الصغرى- فهي أم خالد بن الوليد رضي الله عنه، وعمتهما صفية بنت حزن هي أم أبي سفيان بن حب. وهذا مراده:
بما ولدت نساء بني هلال

وأما نساء بني أبان فإنه يعني أن أبا العاص، والعاص، وأبا العيص، والعيص أبناء أمية بن عبد شمس، أمهم آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة فهذه الأرجام المختلطة بن العامريين وبين قريش هي مراد النابغة بمشاركتهم لهم في الحسب والتقى- شرك العنان.
وقيل: إن شركة العنان أصلها من عنان الفرس. كما يأتي إيضاحه إن شاء الله. وهو المشهور عند العلماء.
وقيل هي من المعاناة بمعنى المعارضة، يقال عاننته إذا عارضته بمثل ماله أو فعاله، فكل واحد من الشريكين يعارض الآخر بماله وفعاله- وهي بكسر العين على الصحيح خلافًا لمن زعم فتحها، ويروى عن عياض وغيره وادعاء أن أصلها من عنان السماء بعيد جدًا كما ترى.
وأما شركة الوجوه- فأصلها من الوجاهة.
لأت الوجيه تتبع ذمته بالدين، وإذاباع شيئًا باعه بأكثر مما يبيع به الخامل.
وأما شركة الأبدان- فأصبها اللغوي واضح، لأنهما يشتركان بعمل أبدانهما، ولذا تسمى شركة العمل، إذ ليس الاشتراك فيها بالمال، وإنما هو بعمل البدن.
وأما شركة المضاربة وهي القراض- فأصلها من الضرب في الأرض، لأن التاجر يسافر في طلب الربح. والسفر يكنى عنه بالضرب في الأرض، كما في قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله} [المزمل: 20] الآية، وقوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة} [النساء: 101] الآية.